بالرغم من أن الأسبوع لم يمر على آخر تواجد في أوروبا؛ كل مساء الذاكرة تشحن الشوق لتلك التجربة..
هذا الصيف كان القرار باستغلاله بالكامل لما هو مفيد سواء أكانت الإفادة علمية عملية أو ثقافية بحتة، فكان القرار هو السفر إلى أوروبا والإقامة مع أهل البلد حسب شروط وضعتها في وقت مسبق .. ميلاد الفكرة كان بعد بحث متعمق عن الفرص التدريبية في أوروبا في مجال التخصص. البحث استغرق 4 أشهر من شركة لأخرى، و منظمة لغيرها، ليقود البحث في النهاية لأحد المواقع المعنية بالتطوع حول العالم. فكرة “التطوّع” كانت محور لإعادة البحث عن فرص تطوّع في كافة دول العالم؛ أي ليست أوروبا فقط.
البحث في المواقع المعنية بتنظيم شؤون المتطوعين استغرق بعض الوقت، لكنه أقل بكثير عن الوقت المستغرق في البحث عن الفرص التدريبية الاختصاصية، وكان القرار المبدئي هو التطوع في كمبوتشيا أو كما يطلق عليها الآن كمبوديا كمُدرِّس في أحد المدارس الابتدائية في إحدى القرى النائية. القرار كان جادًا؛ فتلاه البحث المفصل حول الدولة من تاريخ ،سياسية ، اقتصاد، ديانة، أعراق و غيرها وفي بادئ الأمر كانت مناسبة كدولة، لكن تم استبعاد الفكرة لصعوبة الوصول لتلك المنطقة بشكل خاصة، وطول الرحلة وكثرة التبديلات للوصول لكمبوديا ذاتها.
لم يتم استبعاد فكرة فيتنام نهائيًا، لكن تم وضعها في نهاية القائمة بالفرص التطوعية. بحث إضافي أثمر عن أحد المنظمات المعنية بالربط بين المتطوعون وعوائل ومنظمات في كافة دول العالم، وكانت هذه المنظمة هي المنشودة. هدف المنظمة هو تسهيل التواصل بين العوائل أو المنظمات والمتطوعين، بحيث تقوم كل عائلة أو منظمة بوضع المتطلبات وما يمكن توفيره للمتطوع ومن خلالها يمكن للمتطوع أن يختار ما يناسبه من عروض ويتواصل مع صاحب العرض مباشرة ليرى إمكانية انضمامه لذلك البرنامج أو تلك العائلة.
التجربة الأسبانية:
لانزاروتي (جزر الكناري)، أسبانيا هي الأولى في تجربتي، كانت هناك عائلة تبحث عن متطوع لعمل يتعلق بتقنية المعلومات وأعمال بدنية أخرى في المقابل يتم توفير المسكن والغذاء له، بالإضافة إلى سيارة كوسيلة للنقل في الجزيرة. بحمد من الله تم التواصل والاتفاق مع العائلة على تاريخ الوصول والمغادرة وصادف أن أكون المتطوع الأول لدى تلك العائلة وتكون تجربتي الأولى معهم عبر هذا النظام.
كان العمل الرئيسي هو بناء موقع الكتروني لفندق لتلك العائلة، مع أعمال أخرى هامشية كـ استقبال زوار الفندق في غياب أصحابه. استقبال الزوار من مختلف دول العالم كان له طعم خاص وساهم بشكل كبير في التعرف على مختلف الثقافات خاصة الأوروبية منها. أيضًا من جهة أخرى على الأقل هناك من يعرف عن دولة مسالمة اسمها عُمان في الشرق الأوسط بعد زيارته للفندق.. فاصل إعلاني 😀 :
الجميل هناك هو احترامهم للمسلمين ومن المواقف ذات الشأن، هو احترام وقت الصلاة من قبل العائلة المستضيفة، وأيضًا عند أول تجربة قيادة بالسيارة بهدف الاستكشاف تم إيقافي من قبل شرطة المرور بهدف الكشف عن نسبة الكحول، وفور معرفة الجنسية كان سؤال الضابط: “مسلم؟” – “نعم” كانت اجابتي، مباشرة سُمح لي بالمغادرة دون أي فحص، وذات الموقف تكرر في يوم آخر.. ما أتمناه هو أن تبقى سمعة المسلم هكذا ولا يكون العابثون سببًا في الإساءة إليها ..
في أحد الأيام أبلغتني العائلة المستضيفة عن دعوة لحفلة في بيت أحد المعارف. بدايةً ترددت في الذهاب لتذكر مشاهد في أحد الأفلام الأجنبية عن طرقهم في الاحتفال، لكن بعد أن عرفت أن الدعوة تضمنت اسمي قررت الذهاب والاستشكاف. لحسن الحظ كانت الحفلة على عكس ما توقعت، كانت للمساهمة في تجهيز أحد المنازل لتسليمه لمالكه الجديد وكانت للتعاون على تجهيز المنزل وتناول وجبة غداء معًا. لاحظت تشابه من حيث العادات، الترحيب بالضيف بحرارة وإكرامه مثلما هو هنا .. أحد كبار السن ذكَّرني بأحد كبار السن في مسقط رأسي بعد أن تحدث عن شح الماء والماضي .. في هذه “الحفلة” كان ملخص العمل هو حول الزراعة .. صورة من الموقع: 😀
بعض من ما تعلمته في التجربة الأسبانية:
- الثقافة العامة هناك
- التعامل مع السياح من مختلف دول العالم
- التعامل مع صغار السن (أطفال العائلة)
- تغذية للجانب الفني والديكورات 😀
- من الجانب التقني:
– تحسين مهارات تطوير المواقع
– الربط ببوابات الدفع الالكترونية مثل PayPal
– تحسين عام في الحاسب الآلي
كان مكان الإقامة هو شقة في الفندق الخاص بالعائلة، شقة تتكون من غرفة، دورة مياه، مطبخ، صالة طعام وصالة معيشة، وكنت المتطوع الوحيد آنذاك، أي الوحيد في تلك الشقة. مصادفة جميلة كانت أن أخت رجل العائلة كانت تعمل في سلطنة عُمان لعدة سنوات، ووالدته زارت عُمان عدة مرات فكانت المفارقة أنهم على علم بالأماكن في عمان أكثر من ابن البلد 😀 . ختامًا للتجربة الأسبانية، سأضع صورة لأطفال العائلة، بالتران (7 سنوات) و جولييت (3 سنوات):
التجربة الإيطالية:
شهر في لانزاروتي كان مميز وبه العديد من التجارب الجديدة، لكن لإستغلال الفرصة بشكل أكبر للتعلم عن الثقافات في أوروبا، كان القرار بالانتقال لدولة أوروبية أخرى. العديد من الدول والاقتراحات نهايتها كان القرار بالذهاب إلى إيطاليا، إلى تورين بالتحديد.
البرنامج في تورين كان مختلف تمامًا عن سابقه في لانزاروتي، بحيث كان الهدف منه تجديد منزل عمره أكثر من قرن لمواطنة إيطالية ورثته عن أجدادها. بالرغم من أن هدفي في التواصل مع تلك العائلة هو التعلم والعمل الفيزيائي، لكن صادف أنها مصورة فوتوغرافية (أي صاحبة المنزل) وتبحث عن شخص ينجز لها أعمال مرئية باستخدام صورها من مختلف دول العالم.
عند وصولي للمنزل كان هناك متطوع آخر من المكسيك يعمل كنجّار في المنزل، وكان علي أن أعمل على الملفات المرئية وفي حالة وجود وقت فراغ لي الحرية في مساعدة الغير أو قضاء الوقت بأي طريقة أخرى. بعد أسبوع وصل متطوعين آخرين من المجر (هنجاريا)، كانوا زوجين؛ الزوج متطوع كبنّاء والزوجة في أعمال مختلفة كالتنظيف والأعمال الفنية كالطلاء. المتطوع الأخير وصل بعد أسبوع آخر من هولندا، وأيضًا تطوعه كان في أعمال البناء.
5 جنسيات مختلفة في ذات المكان كوّنت جو مميز في ريف تورين، العديد من الدروس والثقافات المختلفة في ذات الوقت. الصورة التالية مثال لجهود المتطوعين في تجديد:
(في الصورة يتم ازالة الطبقة الاسمنتية البيضاء من السقف)
في ليلة العيد أخبرت بقية المتطوعين وصاحبة المنزل عن العيد في نهاية شهر رمضان وأنه حان وقته، فكانت المفاجأة هو استعدادهم للاحتفال به هناك، لكن بما أن الجميع كان نباتيًا باستثناء المتطوع من المسكيك، كانت النتيجة 😀 :
شواء السمك بدل اللحم 😀
العديد من الدروس والعبر استفدتها من التجربة الإيطالية، ومما شد انتباهي هو تطبيقهم للعديد من مبادئ الدين الإسلامي بالرغم من أنهم غير مسلمين .. أذكر أنّي سمعت المتطوع من المجر يقول: “في حالة انجازك عمل، انجزه بشكل صحيح” و الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: “إنّ الله يحبّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”. هذا مجرد مثال، هناك العديد ما يثبت مقولة “اسلام من دون مسلمين” في الغرب.
الصور كثيرة بحكم التواجد في منزل مصورة فوتوغرافية، لكن سأختم الصور بالغداء قبل الأخير في تورين 😀 :
الملفت في إيطاليا هو كثرة السائلين عن الإسلام، بشكل عام الناس أكثر ثقافة والجميل أنهم يعرفون عن عُمان أيضًا 😀 . في آخر اسبوع في تورين قابلت احد أصحاب الدرجات العلمية المتقدمة وكان معجب بعلماء المسلمين وأبطاله، وذكر صلاح الدين الأيوبي والخوارمي وغيرهم. أغلب من صادفتهم في إيطاليا هم من الرافضين للتواجد الإسرائيلي في الشرق الأوسط، وبالجدير بالذكر أن المصورة (المستضيفة) قامت بزيارة غزة قبل العدوان الإسرائيلي الأخير بفترة قصيرة للتقصي حول الوضع هناك..
بعض ما تعلمته في التجربة الإيطالية:
- الثقافة العامة هناك
- التعامل مع مختلف طبقات الناس من الناحية العلمية والعمرية
- النظرة الإيجابية لما حولي (الشكر للمتطوع من المجر بعد الله)
- مهارات في البناء، الصيانة العامة، الطلاء، النجارة والسباكة
- مهارات تسويقية ومشاريع جديدة (الشكر للمتطوع الهولندي بعد الله)
- الجانب التقني:
– تحسين المهارات والقدرات في العمل المرئي
– سرعة ملحوظة في الأداء بعد الممارسة
– تحرير الصور بأدوات أكثر تقدمًا
– تحسن في التصوير الضوئي
أنتونيلو هو مواطن إيطالي من جنوب إيطاليا، التمست فيه الكرم العربي، لوهلة ظننت أنه عربي الأصل، لكن اتضح انه العديد من الإيطاليين بهذا الكرم، لكن أهل الجنوب هم الأكرم. كان أنتونيلو يصر على تحمل كافة تكاليف النقل، الغذاء وأيضًا يعرض علينا الإقامة في منزلة في الإجازة. “لا” كلمة لا توجد في قاموسه عندما يتعلق الأمر بكرم الضيافة. موقف آخر يدل على كرم الإيطاليين، هو خروجي برفقة العائلة في أحد المرات ومصادفة أحد اصدقاءهم وكان مصرًا على دعوتي لتناول شيء ما بالرغم من عدم تمكنه من التواصل باللغة الانكليزية بتاتًا..
في طريق عودتي في السلطنة من مطار ميلان، قررت قبل الرحلة بيوم التوجه لأحد الاجتماعات التابعة لشبكة اجتماعية أخرى. الهدف من تلك الشبكة هو تبادل الثقافات والتعارف بين مختلف المجتمعات، صادفت في هذا الاجتماع المصغر زائر برازيلي، مقيم أسترالي، مقيم أمريكي، مقيمة إيرانية و العديد من المواطنين الإيطاليين. التجربة كانت رائعة ومفيدة وهناك خطة لتكرارها في الزيارات القادمة لأي دولة كانت بإذن الله ..
هنا أختم هذه التدوينة، إن وجدت الفرصة سأقوم بعمل أخرى حول كيفية التنسيق مع العوائل وأيضًا سأقوم بوضع بعض النصائح من بعد تجربتي بإذن الله…
تجربه رائعه جدا اهنئك عليها لان مثل هذه التجارب هي من تكسبك الخبره والتعرف على حياة وثقافة الاجانب لتنقل المفيد منها لدولتك
أشكرك لتعقيبك، بالتأكيد الخبرة تأتي من التجربة والمغامرة 🙂